رسالة ترحيب

اهلا بكل الاحبة

19 أكتوبر 2011


تواجه مؤسسات التعليم العالي  تحديات تفرضها عليها مجموعة من التحولات والتغيرات العالمية ( ترسخ مفهوم العولمة والتجارة الحرة والتكتلات الإقليمية وسرعة التواصل التقني والمعلوماتي). ولا يمكن فصل مثل هذه التحولات عما يواجه مؤسسات التعليم العالي في الوطن العربي من تحديات ترتبط  بالزيادات المخيفة في نسب بطالة الخريجين والتوجه نحو الخصخصة وانحسار دور القطاع الحكومي، وتدني مساهمة قطاع الإنتاج في شؤون التعليم العالي. لذلك لم يعد دور مؤسسات التعليم العالي في العصر الحديث مقتصرا على المحافظة على التراث الثقافي ونقله من جيل إلى آخر، بل أصبح لها دور في خدمة مجتمعاتها للبحث عن الحقائق ومواجه المتغيرات المستمرة، و كذلك المساهمة  في إيجاد حلول لمشكلات المجتمع، ومد أسواق العمل  بالكوادر البشرية المؤهلة التي تلبي احتياجاتها. حيث تعتبر القوى العاملة من أهم  عناصر الإنتاج  والدعامة الأساسية لتحقيق أهداف التنمية الشاملة والتقدم والرفاه الاجتماعي .
وتعتبر الموارد البشرية من المقاييس الأساسية التي تقاس بها ثروة الأمم, باعتبار أن هذه الموارد على رأس المكونات الرأسمالية والأصول المؤثرة في الوضع الاقتصادي والاجتماعي للدولة، حيث أصبح العنصر البشري ودرجة كفاءته هو العامل الحاسم لتحقيق التقدم. وقد جاءت أهمية العناية بتنمية الموارد البشرية من منظور متعدد الأبعاد: البعد الاقتصادي و ذلك من خلال الموارد البشرية المؤهلة والمدربة. البعد الاجتماعي وينظر إليه من خلال الفهم أن التعليم ينمي قدرات الفرد الذهنية والفكرية ويكسبه الأنماط والقيم السلوكية المتوازنة. البعد الأمني حيث تؤدي العناية بتعليم وتدريب الفرد إلى تخفيض نسبة البطالة, مما يسهم في تحقيق الاستقرار الأمني للمجتمع. البعد التعليمي حيث يوفر التعليم الكوادر العلمية القادرة على البحث والابتكار والاختراع والتطوير بما يسهم في إحداث النقلات الحضارية المختلفة, وإحداث التقدم التقني في شتى مجالات الحياة, والتحسين المستمر في وسائل المعيشة          
إلا إنه لا زال هنالك العديد من التحديات التي تواجهنا في هذا المجال . ولما كان مجال هذه الورقة لا يتسع لاستعراض كافة هذه التحديات ، فانني سأقتصر العرض على الجزء المتعلق منها بالتعليم التقني والتدريب المهني بالرغم من اهمية الأجزاء الأخرى :
تحدي تطوير سياسات التعليم التقني  و التدريب المهني

في الغالب لا تلقى عملية تطوير سياسات التعليم التقني  و التدريب المهني ما يليق بها من اهتمام, بالرغم من أن التعليم التقني  يزود نسيج القوى العاملة الوطنية بالمعارف والمهارات المتخصصة والمتطورة , ويدعمهم بمنظومة راسخة من القيم والسلوكيات التي تكون منهم عناصر إيجابية قادرة على تحمل مسئولية تقدم البلاد والارتقاء بها، والنجاح في مواجهة المنافسة في كافة أنشطة ومجالات العمل والإنتاج.
و من هنا تبرز أهمية تطوير سياسات التعليم التقني  و التدريب المهني والتي تمثل حلقة الوصل بين استراتيجيات وخطط التنمية الاقتصادية وجذب الاستثمار المحلي والخارجي ، و السياسيات التالية:
·        سياسات التطور التكنولوجي ذات المردود العالي
·        سياسات التشغيل وتشجيع العمل في قطاعات ذات أولوية للتنمية الاجتماعية والاقتصادية
·        سياسات تشجيع إنشاء وتطوير المؤسسات الصغيرة والمتوسطة و بكافة أشكالها،
·   سياسات تشجيع التعلم المستمر مدى الحياة والتعلم لمجتمع المعرفة والاستفادة من مكان العمل كوسيلة للتعلم (مكان العمل المعلم)،
وبالتالي لابد من ربط ذلك كله بسياسة للتعليم والتدريب التقني والمهني تتناغم وكل تلك السياسات وتكون عنصرا فاعلا في تحقيق أهداف تلك السياسات، وغيرها من السياسات الاجتماعية أيضا.

إن ترك إعداد سياسات واستراتيجيات التعليم التقني و التدريب المهني لجهة واحدة لصياغتها وتنفيذها يعد من المفاهيم التي  تجاوزها الزمن بمراحل. فقد كانت العلاقة بين العرض والطلب في مجال الموارد البشرية واهية أو معدومة. فكانت المؤسسات القائمة على التعليم والتدريب تضخ في أسواق العمل عمالة شبه مؤهلة دون اهتمام حقيقي بالطلب على العمالة المؤهلة مهنيا وعلى كافة المستويات أسواق العمل. و ساعدها على الاستمرار في ذلك سياسات تشغيل كانت لا تهتم كثيرا بوضع العامل في عمل يتناسب مع مؤهلاته و تدريبه، بل كان العمل هدفا اجتماعيا مجردا من البعد الاقتصادي، وبالتالي كان هناك تعيين لأفراد يزيدون عن الحاجة وبطالة مقنعة وإنتاجية متردية.
ومن هنا نلحظ توجه الدول المتقدمة تقنيا واقتصاديا و صناعيا إلى تطوير سياساتها التعليمية بمشاركة جميع المتعاملين مع مخرجات التعليم و التدريب من أجل زيادة فاعلية مواردها البشرية.
و من السياسات المتبعة في التعليم الثانوي و المهني كحجر أساس للتعليم التقني ما يلي:

·   سياسة التوسع في قبول الطلاب أو ما يسمى بسياسة الباب المفتوح و المتضمن زيادة الأعداد التي تقبل بالمدارس الثانوية المهنية والفنية من أجل تعلم هذه المهارات الجديدة بسرعة، لمعالجة النقص في الأيدي العاملة للصناعات الجديدة وإدارة الإنتاج والخدمات.
·   التوسع في انشاء مؤسسات التعليم المهني والفني. وذلك
لتوفير الخبرات المتعددة بدلا من مجرد إتقان مهارة واحدة أو تخصص واحد, بحيث يكون العامل قادرا على التعامل مع الالكترونيات الدقيقة والحاسب الآلي والآلات الاتوماتيكية،وقراءة البيانات وسرعة التعامل معها واستخدام اللغات في قراءة هذه البيانات،واتخاذ القرارات الفورية الصحيحة في ضوء معطيات الموقف الإنتاجي أو اكتشاف الأخطاء وتصحيحها وإصدار القرارات الحاسمة في خطط الإنتاج ذاته.
·   في إطار توسع النظرة إلى مفهوم تنمية الموارد البشرية, فان السياسات التعليمية اليوم تتجه نحو توسيع مفهوم التعليم المهني والفني من مجرد مهمة محدودة لتوفير تدريب للمهارات الخاصة بالصناعة،والمهارات الخاصة بالحرف إلى مهمة أوسع لتنمية الموارد البشرية والتعلم مدى الحياة من اجل التنمية المستدامة.  و من هنا جاء الاهتمام بأكاديميات التعليم التقني لتكون مسئولة عن التطوير الذاتي لمنتسبيها في التخصصات الدقيقة.
·   سياسات التحويل العكسي  اذ يفسح المجال لخريجي التخصصات الأدبية و الإنسانية او التخصصات الراكدة بشكل عام بالالتحاق بالتعليم المهني والفني في الكليات التقنية والمجتمعية.

من المؤمل إن تفضي الحوارات الوطنية و استراتيجيات التعليم و التدريب المهني في الأردن الى بلورة سماته المستقبلية وفق المنظور الأتي :
·        التركيز على احتياجات و متطلبات سوق العمل و عكس ذلك في الخطط الدراسية و برامج التدريب.
·        اعتماد البرامج المرنة في الإعداد والتدريب المهنيين لتتناسب مع التغيرات المستمرة في سوق العمل.
·        بذل الجهود لجعل التدريب في مستوى التحديات لتحقيق الجودة والمنافسة.
·   وضع اطر تشريعية لشراكة حقيقية بين الحكومة و مؤسسات التعليم و قطاعات الإنتاج ومراكز التعليم والتدريب المهني.
·        إعادة تاهيل و تدريب العاملين الذين تقادمت مهاراتهم و تدنى مستوى أدائهم.

تحدي المواءمة بين مخرجات عملية التعليم التقني و التدريب المهني والاحتياجات المتغيرة لسوق العمل.

أن البطالة هي اخطر ما يواجه الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي لاي مجتمع، ويتميز الأردن بشكل خاص  بثروته من الموارد البشرية وبنسبة عالية من الشباب مقارنة مع ماهو موجود في أوروبا و أميركا . لذا فانه لا بد من  تحويل هذه الطاقات من عبئ ضاغط على الموارد إلى طاقة منتجة وذلك من خلال تنمية قدراتهم وكفاءاتهم الإنتاجية وتزويدهم بالمهارات والخبرات والمعارف المتجددة و المطلوبة لأسواق العمل.
وعلى الرغم من هذا الإدراك , إلا أن خريجو منظومة التعليم والتدريب التقني بدلا من أن يكونوا في صفوف القوى العاملة أصبحوا ينضمون إلى صفوف الباحثين عن عمل ، وتعود هذه الظاهرة لأسباب عدة ، من بينها تراجع دور الدولة في استيعاب خريجي هذه المعاهد و الكليات ، وتدنى قدرة سوق العمل في القطاع الخاص على خلق فرص عمل جديدة ، وتدنى أو غياب المواءمة بين نوعية مخرجات التعليم والتدريب المهني والتقني والمتطلبات المهارية لسوق العمل ، وقلة الاهتمام والوعي لدى الخريجين بالتشغيل الذاتي عن طريق تأسيس المنشآت الصغرى نظرًا لغياب التوجيه والإرشاد ، وضعف مستوياتهم المهارية ، وعدم توافر التمويل اللازم.
فواقع الموارد البشرية في الأردن يشهد استثماراً متزايداً في رأس المال البشري والمعرفي من خلال عدد الجامعات و المؤسسات التعليمية من جهة وتنوع التخصصات من جهة، بما لا يتوافق مع عدد الفرص المتاحة في أسواق العمل مما قلل فرص العمل المتاحة أمام الخريجين.إلا من أعدته جامعته لفهم احتياجات ومتطلبات وآليات عمل تلك الأسواق.
والسؤال الضمني المحوري في هذا السياق و الذي يطرح دائما هو ما جدوى الإنفاق على النظام التعليمي إن لم يكن قادراً على اعداد خريجين بالمواصفات التي تحتاجها القطاعات الإنتاجية ؟. لقد أصبحت قضية المواءمة و الربط بين مخرجات النظام التعليمي ومتطلبات سوق العمل همّاً عالمياً يواجه جميع الدول في العالم بما فيها الاردن, و من أبرز قضايا التنمية الاقتصادية والاجتماعية التي تواجهنا بالمملكة، لذلك فهي تكتسب أهمية خاصة في الوقت الحاضر وستكتسب أهمية حيوية كبرى في المستقبل إذ لم يتم معالجتها بشكل سليم . و افضل ما يوجز ذلك اقتباس من احد كتب التكليف السامي للحكومات الأردنية:
"هناك  حاجة ماسة لأن تقوم مؤسسات التعليم العالي بإعادة النظر في الخطط والبرامج الدراسية للجامعات، وربط التخصصات باحتياجات سوق العمل،  واتخاذ إجراءات إصلاحية لرفع سوية التعليم. إضافة إلى الأخذ بالتخصصات الجديدة، وتكنولوجيا التعليم المتقدمة، والمناهج التعليمية المتطورة والتعليم اللامنهجي، مما يمكن الخريجين من التعامل مع متطلبات المرحلة القادمة، "......انتهى الاقتباس -عبد الله الثاني ابن الحسين - عمان في 2 جمادى الأخرى سنة 1425 هجرية .الموافق 20 تموز سنة 2004 ميلادية .

وبناءً على ما تقدم فانه لإحداث تطوير لمنظومة التعليم التقني والتدريب المهني وفقاً لاحتياجات سوق العمل، فانه لابد من  إيجاد سياسات تدفع باتجاه المواءمة بين مخرجات النظام التعليمي واحتياجات سوق العمل, و تعمل على إيجاد  شراكة حقيقية وراسخة بين كافة المؤسسات و ذلك من خلال الآليات التالية و التي سبق و ان تم تداولها في مؤتمرات عدة و في خطط وبرامج و استراتيجيات الحكومات المتعاقبة: 
1.                             توحيد الرؤية المستقبلية لسوق العمل الأردني وبما ينسجم مع الأسواق  العربية و الإقليمية و العالمية ,لامكانية تحديد احتياجاته من القوي العاملة الحالية والمستقبلية وتحقيق المواءمة بين مخرجات التعليم لتقني واحتياجات ومواصفات العمالة في هذه الأسواق.
2.                              إقامة قنوات تواصل وتفاعل فعلي وعملي مع كل قوى المجتمع الإنتاجي والمجتمع المدني، ومأسسة ذلك بدقة وفعالية، لتكون خبرات الخريج   منسجمة مع متطلبات سوق العمل.
3.                             تعريفا سوق العمل بمؤسسات التعليم التقني وببرامجها الدراسية، ونظمها الأكاديمية وشهاداتها ومؤهلات وخبرات خريجيها.
4.                             العمل الجاد على نقل المعرفة العلمية من بعدها النظري إلى بعدها العملي التطبيقي، مع التركيز على المعاصرة و الحداثة في التدريس و التدريب.
5.                             العمل على إشراك مستخدمي سوق العمل  في تحديد مخرجات و كفايات العملية التعليمية و التدريبية في مؤسسات التعليم و التدريب.

6.                              توفير كافة البيانات والمعلومات الضرورية لمؤسسات التعليم التقني لتتمكن من فهم أفضل لآليات سوق العمل وتحليل مجالاته الناشئة و الاستعداد لها من اجل تزويد سوق العمل بموارد بشرية متجددة مرنة قادرة على الإبداع و الابتكار.
7.                                                                       تبادل المعرفة والخبرات بين مؤسسات القطاع الخاص والمؤسسات التعليمية في مجالي البحث و التدريس و إفساح المجال لتدريب مكثف لطلبة الكليات والجامعات خلال فترة الصيف لإكسابهم الخبرات المناسبة لسوق العمل.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق